فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
قوله تعالى: {لا تخونوا الله والرسول} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر قريظة سألوه أن يصالحهم على ما صالح عليه بني النضير، على أن يسيروا إلى أرض الشام، فأبى أن يعطيَهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأبَوا، وقالوا: أرسل إلينا أبا لبابة، وكان مناصحًا لهم، لأن ولده وأهله كانوا عندهم، فبعثه إليهم، فقالوا: ما ترى، أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه: إنه الذبح فلا تفعلوا، فأطاعوه، فكانت تلك خيانته؛ قال أبو لبابة: فما زالت قدمايَ حتى عَرفتُ أني قد خنت الله ورسوله، ونزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس، والأكثرين.
وروي أن أبا لبابة ربط نفسه بعد نزول هذه الآية إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموتَ أو يتوب الله عليَّ، فمكث سبعة أيام كذلك، ثم تاب الله عليه، فقال: والله لا أَحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يَحُلنُّي، فجاء فحلَّه بيده، فقال أبو لبابة: إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجزئك الثلث».
والثاني: أن جبريل أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فقال النبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «اخرجوا إليه واكتموا» فكتب إليه رجل من المنافقين: إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذركم، فنزلت هذه الآية، قاله جابر بن عبد الله.
والثالث: أنها نزلت في قتل عثمان بن عفان، قاله المغيرة بن شعبة.
والرابع: أن قومًا كانوا يسمعون الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيفشونه حتى يبلغ المشركين، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
وفي خيانة اللهِ قولان:
أحدهما: ترك فرائضه.
والثاني: معصية رسوله.
وفي خيانة الرسول قولان:
أحدهما: مخالفته في السرِّ بعد طاعته في الظاهر.
والثاني: ترك سنّته.
وفي المراد بالأمانات ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الفرائض، قاله ابن عباس.
وفي خيانتها قولان:
أحدهما: تنقيصها.
والثاني: تركها.
والثاني: أنها الدِّين، قاله ابن زيد.
فيكون المعنى: لا تُظهروا الإيمان وتُبطنوا الكفر.
والثالث: أنها عامة في خيانة كلِّ مُؤتَمَنٍ، ويؤكِّده نزولها في ما جرى لأبي لبابة. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}
روي أنها نزلت في أبي لُبابة بن عبد المنذر حين أشار إلى بني قُريظة بالذبح.
قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي حتى علمت أني قد خنت الله ورسوله؛ فنزلت هذه الآية.
فلما نزلت شدّ نفسه إلى سارية من سواري المسجد، وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت، أو يتوب الله عليّ. الخبر مشهور.
وعن عكرمة قال: لما كان شأن قريظة بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه فيمن كان عنده من الناس؛ فلما انتهى إليهم وقَعُوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جبريل عليه السلام على فرس أبلق فقالت عائشة رضي الله عنها: فلكأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل عليهما السلام؛ فقلت: هذا دِحية يا رسول الله؟ فقال: «هذا جبريل عليه السلام؛ قال: يا رسول الله ما يمنعك من بني قُريظة أن تأتيهم»؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فكيف لي بحصنهم»؟ فقال جبريل: «فإني أدخل فرسي هذا عليهم».
فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا مُعْرَوْرًى؛ فلما رآه عليّ رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لا عليك ألاّ تأتيهم، فإنهم يشتمونك.
فقال: «كلا إنها ستكون تحية».
فأتاهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا إخوة القردة والخنازير» فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشًا! فقالوا: لا ننزل على حكم محمد، ولكنا ننزل على حكم سعد بن معاذ؛ فنزل.
فحكم فيهم أن تقتل مقاتِلتهم وتُسْبَى ذراريهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بذلك طرقني المَلَكَ سَحَرًا» فنزل فيهم {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
نزلت في أبي لُبابة، أشار إلى بني قُريظة حين قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، لا تفعلوا فإنه الذبح، وأشار إلى حلقه.
وقيل: نزلت الآية في أنهم كانوا يسمعون الشيء من النبيّ صلى الله عليه وسلم فيُلقونه إلى المشركين ويُفشونه.
وقيل: المعنى بغلول الغنائم.
ونسبتها إلى الله؛ لأنه هو الذي أمر بقسمتها.
وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه المؤدّي عن الله عز وجل والقَيِّم بها.
والخيانة: الغدر وإخفاء الشيء؛ ومنه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعين} [غافر: 19] وكان عليه السلام يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البِطانة». خرّجه النسائي عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول؛ فذكره.
{وتخونوا أَمَانَاتِكُمْ} في موضع جزم، نسقًا على الأوّل.
وقد يكون على الجواب؛ كما يقال: لا تأكل السمك وتشرب اللبن.
والأمانات: الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد.
وسميت أمانة لأنها يُؤمَن معها من منع الحق؛ مأخوذة من الأمن.
وقد تقدّم في النساء القول في أداء الأمانات والودائع وغير ذلك.
{وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي ما في الخيانة من القبح والعار.
وقيل: تعلمون أنها أمانة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول}
قال الزهري والكلبي: نزلت هذه الآية في أبي لبابة هارون بن عبدالمنذر الأنصاري من بني عوف بن مالك وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعيد بن معاذ فأبوا وقالوا أرسل إلينا أبا لبابة بن عبدالمنذر وكان مناصحًا لهم لأن ماله وولده وعياله كان عندهم فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فقالوا: يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه يعني إنه الذبح فلا تفعلوا.
قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي عن مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشدّ نفسه على سارية من سواري المسجد.
وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب الله عليّ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره، قال: أما لو جاءني لاستغفرت له أما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خرَّ مغشيًا عليه ثم تاب الله عليه فقيل له يا أبا لبابة قد تيب عليك فقال والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلني فجاء فحله بيده ثم قال أبو لبابة إن تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجزيك الثلث أن تصدق به».
فنزل فيه {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول}.
وقال السدي: كانوا يسمعون السر من النبي صلى الله عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ المشركين فنزلت هذه الآية وقال جابر بن عبد الله: إن أبا سفيان خرج من مكة فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن أبا سفيان في مضوع كذا وكذا فاخرجوا إليه واكتموا قال فكتب رجل من المنافقين إليه إن محمدًا يريدكم فخذوا حذركم فأنزل الله: {لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} ومعنى الآية لا تخونوا الله والرسول ولا تخونوا أماناتكم {وأنتم تعلمون} يعني أنها أمانة وقيل: معناه وأنتم تعلمون أن ما فعلتم من الإشارة إلى الخلق خيانة وأصل الخيانة من الخون وهو النقص لأن من خان شيئًا فقد نقصه والخيانة ضد الأمانة، وقيل في معنى الآية: لا تخونوا الله والرسول فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد خنتم أماناتكم.
وقال ابن عباس: معناه لا تخونوا الله بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله تعالى والأعمال التي ائتمن عليها العباد وقال قتادة: اعلموا أن دين الله أمانة فأدوا إلى الله ما ائتمنكم عليه من فرائضه وحدوده ومن كانت عليه أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ومنه الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك». أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}
قال ابن عباس والأكثرون: نزلت في أبي لبابة حين استنصحته قريظة لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسيّرهم إلى أذرعات وأريحا كفعله ببني النصير فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي ليس عند الرسول إلا الذبح فكانت هذه خيانته في قصّة طويلة، وقال جابر في رجل من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بشيء من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال المغيرة بن شعبة في قتل عثمان.
قال ابن عطية ويشبه أن يتمثل بالآية في قتله فقد كان قتله خيانة لله ورسوله والأمانات انتهى، وقيل في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يعلمهم بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وقيل في قوم كانوا يسمعون الحديث من الرسول فيفشونه حتى يبلغ المشركين وخيانتهم الله في عدم امتثال أوامره وفعل ما نهي عنه في سرّ وخيانة الرسول فيما استحفظ وخيانة الأمانات إسقاطها وعدم الاعتبار بها، وقيل و{تخونوا} ذوي أماناتكم و{أنتم تعلمون} جملة حالية أي وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة لأن العالم بما يترتب على الذنب يكون أبعد الناس عنه، وقيل {وأنتم تعلمون} أن الخيانة توجد منكم عن تعمّد لا عن سهو، وقيل وأنتم عالمون تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن وجوّزوا في {وتخونوا} أن يكون مجزومًا عطفًا على {لا تخونوا} ومنصوبًا على جواب النهي وكونه مجزومًا هو الراجح لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع والجزم يقتضي النهي عن كل واحد، وقرأ مجاهد أمانتكم على التوحيد وروى ذلك عن أبي عمرو. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ الله والرسول}
أصلُ الخَوْنِ النقصُ كما أن أصلَ الوفاءِ التمام، واستعمالهُ في ضد الأمانة لتضمنه إياه أي لا تخونوهما بتعطيل الفرائضِ والسنن أو بأن تُضمِروا خلافَ ما تظهرون، أو في الغلول في الغنائم، روي أنه عليه الصلاة والسلام حاصَر بني قُريظةَ إحدى وعشرين ليلةً فسألوا الصُّلْحَ كما صالح بني النضيرِ على أن يسيروا إلى إخوانهم بأذرِعاتٍ وأريحاءَ من الشام، فأبى إلا أن ينزِلوا على حكم سُعد بن معاذ رضي الله عنه فأبوا وقالوا: أرسل إلينا أبا لُبابةَ وكان مناصِحًا لهم لِما أن ماله وعيالَه كانا في أيديهم، فبعثه إليهم فقالوا: ما ترى هل ننزل على حُكم سعدٍ فأشار إلى حلقه إنه الذبحُ قال أبو لبابة: فما زالت قدماي حتى عملتُ أني خُنتُ الله ورسولَه فنزلت فشد نفسَه على سارية من سواري المسجدِ وقال: والله لا أذوقُ طعامًا ولا شرابًا حتى أموتَ أو يتوبَ الله عليّ فمكث سبعةَ أيامٍ حتى خرَّ مغشيًا عليه ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيبَ عليك فحُلَّ نفسَك، قال: لا والله لا أحُلّها حتى يكونَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحُلّني فجاءه عليه الصلاة والسلام فحلّه فقال: إن من تمام توبتي أن أهجُرَ دارَ قومي التي أصبتُ فيها الذنبَ وأن أنخلِع من مالي فقال عليه الصلاة والسلام: «يُجزِئُك الثلثُ أن تتصدقَ به» {وَتَخُونُواْ أماناتكم} فيما بينكم وهو مجزومٌ معطوفٌ على الأول أو منصوبٌ على الجواب بالواو {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنكم تخونون أو وأنتم علماءُ تميِّزون الحسنَ من القبيح. اهـ.